أديب:
قراءة توجيهية:
تقديم:
تعريف الرواية:
إذا تصفحنا الكتابات التي تطرقت الى تعريف الرواية نجدها أنها بالكثرة بمكان. وأنها لم تتفق على تعريف واحد جامح مانع للرواية. بل إن تعريفاتها تشبعت وتعددت بتعدد نقاد الرواية والدارسين الذين حاولوا تحديث فن الرواية، وبتوسع مشاربهم وخلفياتهم التي ينطلقون منها، وبعد هينجل من أبرز المناظرين للرواية في الغرب. حيث حددها بالطبقة البورجوازية واعتبرها ملحمتها الحديثة. نفس الرأي اعتمده الناقد المجري جورج لوكاتش وربط بين الفن الروائي وظهور البورجوازية الغربية على مسرح الأحداث:
- الملحمة:
- التعبير عن ذوبان الفرد داخل الجماعة.
- مجتمع بدائي عشائري.
- انتقاء الصراع والتفاوت الاجتماعي.
- الرواية:
- التعبير عن معاناة الفرد داخل الجماعة.
- مجتمع رأسمالي حديث.
- حضور الصراع والتناقضات الاجتماعية.
- التعبير عن الانسان المستلب والمقهور.
وإذا انتقلنا الى الثقافة الفرنسية نجد أن لوسيان جولدمان قد عرف الرواية من خلال اعتبارها موضوعا اجتماعيا يعكس رؤية الروائي للمجتمع، وبعبارة أخرى الرواية هي علم اجتماع الأدب. فرغم هذه الجهود التي بذلت لتعريف الرواية تعريفا نهائيا إلا أنها ما تزال عصية عن تحديد النهائي القطعي لسبب واحد وهو أنها ( جنس أدبي غير منتهي بل قيد التكون والتشكل باستمرار) لكن يمكن القول أن الرواية جنس أدبي نثري حكائي يقوم على دعامتين اثنين هما: المتن الروائي (أحداث الرواية) المبنى الحكائي (العناصر الفنية المعتمدة للتعبير عن المتن الحكائي).
الرواية العربية: النشأة والتطور:
اختلف الدارسون العرب بخصوص مسألة نشأة الرواية العربية: فهناك من يرى أنها متأصلة في الأدب العربي القديم وتعود جذورها الى فن المقامات وحكاية ألف ليلى وليلى والسير الشعبية. بينما ذهب فريق ثاني الى أنها فن مستحدث في الثقافة العربية مستورد من الغرب عبر المثاقفة والاحتكاك والاستعمار والترجمة. وقد مرت هذه الرواية العربية بمراحل ثلاث:
- مرحلة الترجمة والاقتباس: يمثلها جورجي زيدان.
- مرحلة الإبداع والتأليف: فيها إنتاج للإبداع لكن يفتقر للنضج الفني ( عباس محمود العقاد - محمود تيمور...).
- مرحلة التجريب والتأسيس: الرواية فيها أنضج وأكثر انفتاحا وإفادة من التجارب الروائية العالمية مثل نجيب محفوظ - يوسف الخال - صنع الله إبراهيم - خناثة بنونة - طه حسين.... .
العتبات النصية:
العنوان:
العنوان بسيط وفي منتهى الوضوح لا يحتاج الى المعاجم لفهمه وهو خبر لمبتدأ محذوف تقديره هذا أو هو، وأدب المشتغل بالأدب عموما سواء كان ينتج الخطاب أو مهتما بدراسته والبحث فيه. ولما كان أديب موضوع الإخبار في هذا النص وعليه مداره فإن ذلك يدفعنا الى التساؤلات الآتية: هل أديب يختلف عما تكون لدينا من تمثلات؟ لماذا جعله الكاتب نكرة وليس معرفة؟ هل هو شخصية حقيقية أو خيالية؟ ماذا جرى له في النص؟ هل أراد الكاتب أن يصحح صورة أديب من خلال المؤلف؟
إن عنوان هذا النص يفتح أمامنا إمكانات عديدة لتوقع جملة من العناصر تتصل بالهوية أو الحياة الداخلية لهذه الشخصية ذات الطابع الاعتباري.
صورة الغلاف:
صدر الكتاب عن دار المعارف بالقاهرة وهي دار عريقة النشر وما زالت مستمرة الى الآن، صناعة الكتاب بسيطة تتماشى مع تقاليد الثلاثينيات من القرن القرن الماضي لا تولي اهماما كبيرا للتشكيل اللغوي والأيقوني. لذلك فالغلاف يضم ثلاث مستطيلات الأول الأبيض وهو الأصغر ويضم اسم طه حسين أقصى أقصى اليسار ثم المستطيل الأوسط تتوسطه صورة طه حسين بنظاراته السميكة وبوجه حليق بادي التأنق أما المستطيل الأخير أكبر مساحة يتوسطه عنوان النص " أديب " واسم دار النشر ورمزها.
التعريف بالمألِف:
طه بن حسين بن علي بن سلامة ولد في قرية (الكيلو) بمغاغة من محافظة المنيا بصعيد مصر (1889م - 1973م) أصيب بالتهاب العينين في الثالثة من عمره ثم فقد البصر بسبب خطأ طبي، حفظ القرآن في المكاتيب الدينية ثم أرسل الى جامع الأزهر بها نهل بمختلف العلوم ثم التحق بالجامعة الغير الدينية 1908م ومنها الى الجامعات الأوربية لمتابعة الدراسات الجامعية المتخصصة حيث نال شهادة الدكتوراه بجامعة مونوبولي والسوربون. من مؤلفاته: "في الشعر الجاهلي 1926"، "حديث الأربعاء"، مع أبي العلاء في سجنه"، مع المتنبي"، المعذبون في الأرض"، دعاء الكروان"، "أديب"... .
تحليل النص الافتتاحي:
استخراج المتن السردي:
يتحدث النص الافتتاحي في أديب بكل أبعاده الحقيقية إذ يمهد الكاتب تمهيداً شاملا على غرار الروايات والمسرحيات التي كانت تكتب في القرن 19م في أوربا. لذلك يقدم صورة مجملة عن الرواية مؤطراً إياها من حيث الزمان والمكان ومعروفا بالشخصية المحورية ومقدما للحدث الرئيسي الذي ستتولد عنه كل الأحداث اللاحقة لهذا يمكن تقسيم هذا النص الافتتاحي من حيث الحدث الى ثلاثة أقسام رئيسة: ففي الأول يقدم لنا الراوي الخصائص العامة لأديب وفي القسم الثاني يعمل على تدقيق صورة الأديب من خلال "أديب" أما القسم الثالث فيخصصه لعلاقته الحميمية بشخصية أديب.
الصور العامة لأديب:
يقدم لنا الكاتب صورة عامة عن أديب وهي شخصية على غير باقي الشخصيات تتقاسم ما تشعر بها من أفكار وتحس بها من تأملات داخل المجتمع لا يهنأ لها بال إلا شاركت غيرها عواطفها ومشاعرها ويمكن التركيز في ذلك من خلال العناصر الآتية:
أ. الحالة:
يتميز أديب عن غيره من الناس بكونه يعمل جاهدا على التواصل مع الناس عن طريق اشراكه غيره قراءاته وما يجيش بداخله من أفكار وأحاسيس فهو مريض بعلة الأدب (يعيش لنفسه وإنما يعيش للناس).
ب. التشخيص:
بما أن أديب معلول بعلة الأدب فإن الكاتب يعمد الى محاولة تشخيص هذه العلة من خلال البحث عن تفسير أبعادها ودلالتها ويظهر ذلك من خلال:
- مخادعة النفس: فهو دائما يفكر في إشراك الناس معه في تفكيره وأحاسيسه وانفعالاته وذلك ينبع عنه الإيثار.
- طلب الشفقة.
ج. إرضاء الذات:
إن القلق الدائم الذي ساور الأديب دفعه الى تقييد شوارد الأفكار وغرائب الأحاسيس ليس رغبة في الناس وإنما الغاية أن يعود إليه لاسترجاع ما مضى ليستثمر ذلك في عمل إبداعي جديد.
الصورة الخارجية لأديب (الشخصية):
بعد تقديم الراوي بصورة أديب مع غيره من الأدباء فيتميز بعدة مواصفات فيزيولوجية، من بينها: قبيح الوجه، نابي الصورة، قصير القامة، عريض الأطراف، ضخامة الجسم، جهم الوجه، صوت غليظ، منحرف العنق، عينان صغيرتان... .
إن كل هذه الصفات التي ركز عليها المؤلف بخصوص هذه الشخصية المحورية الدالة على قبح المنظر والجسم عائدة الى عدم التناسق في تكوينه الجسمي وعدم التلاؤم مع سنه (قصر القامة، ضخامة الأطراف، غليظ الوجه...) كما يمكن إرجاع تلك التشوهات الخلقية الى إدمانه على القراءة والكتابة وفجاجة صوته وغلظته بسبب تفاعله مع النص الذي يقرؤه أينما يكون الانفعال.
تعليقات
إرسال تعليق
اذا كان لديك أي سؤال او استفسار، اكتب تعليقك هنا