المؤلفات:
قراءة ثانية لشعرنا القديم:
قراءة توجيهية:
- النقد: لغة تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها، نقد الجوز بالأصبع لاختباره وتعرف حاله، ونقد الطائر الحبة إذا ضرب بمنقاره، ونقد الرجل الشيء بنظر إذا اختلس النظر حوله.
واصطلاحا: دراسة الأعمال الأدبية وتفسيرها وتحليلها وموازنتها بغيرها ثم الحكم لها وعليها لبيان قيمتها. فالنقد إذاً تمحيص العمل الأدبي بشكل متكامل حالة الانتهاء من كتابته إذ يتم تقدير النص الأدبي تقديرا صحيحا يكشف مواطن الجودة والرداءة فيها ويبين درجته وقيمته ومن ثم الحكم عليه بمعايير معينة.
التعريف بالمؤلف:
مصطفى عبد الناصف أديب وناقد مصري من مواليد 1922م أكاديمي جامعي متخصص في البلاغة والنقد. تولى العديد من المسؤوليات الأكاديمية والإدارية في جامعة عين الشمس وعمل في العديد اللجان والمجالس الجامعية والثقافية. من مؤلفاته: "اللغة بين البلاغة والأسلوبية"، "خصام مع النقاد"، "طه حسين والتراث"، "صوت الشاعر القديم"، قراءة ثانية لشعرنا القديم".
عتبة العنوان:
العنوان خبر لمبتدأ محذوف تقديره هذه ودلاليا القراءة لغة تنبع من المخطوط أو المكتوب وتحوله الى ملفوظ مسموع من أجل الإمساك بمعناه ومحتواه. واصطلاحا مفهوم النقد يراد به تعدد الرؤى وزوايا النظر في التعامل مع النص أو الأثر الأدبي وتحليله باعتباره بنية متكاملة تتفاعل فيه العناصر المكونة لها. إذن هي عملية فكرية عقلية يتفاعل معها القارئ فيهم ما يقرأ ونقده ويستخدمه في حل ما يواجهه من مشكلات ومواقف.
يؤكد العنوان من صياغته عن وجود قراءة سابقة على القراءة الحالية.
ما المقصود بالقراءة الأولى ومن قام بقراءتها؟
المقصود بالقراءة الأولى ليس هو وجود رقم أو تتابع ركمي بل المراد القراءة الثابتة التي لا تتغير مفاهيمها وأدواتها ونتائجها وقد حدد الكاتب هذه المعايير في:
- التحرر من الأحكام المسبقة والتعامل مع شعرها القديم دون حواجز نفسية أو حسية مثله مثل باقي آداب الإنسانية.
- قراءة عاشقة لهذا الشعر ومعجبة بمعالجة الشاعر القديم لما يعترضه من انكسارات وانهزامات.
- قراءة مستفزة تخلخل الثوابت والأحكام السابقة (إطالة الأسئلة).
- قراءة ترى في هؤلاء الشعراء شعراء معاصرين لا يختلفون عنا في طرحهم لقضايا الانسان (الموت، الحرية، خوف، حب، كره، شجاعة، صبر، مروءة... ).
عتبة بناء المعمار للمؤلف النقدي:
ينقسم الكتاب الى ثمانية فصول. كل فصل يحمل عنوان محدد يلخص محتوى الكتاب من جهة وطريقة ومنهجية التعامل مع قضايا الشعر والشعراء في المرحلة السابقة على الإسلام من جهة ثانية. وهذه الفصول هي: الإحساس بالتراث، حلم المستقبل، البطل، الناقة الأم، الأرض الظامئة، نحو مبدأ عظيم، مشكلة المصير، الحاجة الى الخوف.
وقد اعتمد الناقد في إثارة هذه القضايا النقدية على المنهج الأسطوري الأنثروبولوجي من خلال علم الآثار الأدبية وتفسير الأدب وفق الموروثات الأدبية الإنسانية باعتبارها رموز ونماذج أصيلة توجه السلوكات والتمثلات البشرية.
المرحلة التحليلية:
تحليل الفصل الأول: الإحساس بالتراث:
جرد الموضوعات:
يعالج النص قضية نقاء وصفاء الأدب العربي القديم لكونه بقي في منأى عن المؤثرات الخارجية المحيطة به يونانية كانت أم فارسية أو هندية. وأن القرآن الكريم أضفى على الأدب العربي القديم طابع القداسة من حيث هو مثال للغة العربية النقية. حتى أضحت فكرة النقاء الأدب العربي القديم من أكثر المسلمات التي هيمنة على أذهان الباحثين لكن النقاد العربي المحدثين لم يقفوا الموقف نفسه، بل عملوا شتى وسائل الانفصال عن الأدب وأذكوا الفكرة أي ما إذكاء (موقف مدرسة الديوان من صفاء ونقاء الأدب العربي). والفصل الأول إذن يتمحور حول فكرتين اثنين:
- تشبت النقد العربي القديم بفكرة نقاء وصفاء الأدب العربي بفعل عدة عوامل نفسية ودينية وثقافية اجتماعية.
- رفض النقاد العربي المعاصرين لهذه الفكرة والدعوة الى الانفصال عن كل ما هو قديم وفي المقابل أخذوا بالجديد وارتموا في أحضانه.
المصطلحات النقدية الموظفة:
وظف ناصف مجموعة من مفاهيم ومصطلحات للإحاطة بكل جوانب صفاء ونقاء الأدب العربي القديم ونجسدها فيما يلي:
- المجال الاجتماعي التاريخي: العرب، الجاهليون، العقل العربي، العريق، الإحساس بالماضي، النهضة... .
- المجال النقدي: الأدب، النقد، الطبع، الموروث، الكلمة، أصحاب الديوان، نقد قديم، نقد حديث، الشعر... .
- المجال الديني: القرآن، الحديث، عمود الدين، بدعة، الضلالة، التحريم، فصول... .
- المجال النفسي: تحليل النفسي، وجدان، شعور، عاطفة شخصية، قلق، فيض، دفاع عن النفس، اكتفاء ذاتي... .
الحجاج:
دافع ناصف عن فكرة صفاء ونقاء الأدب العربي القديم بصيغ الحجاج والاستدلال المنطقي، كما في ذكره من أسباب ودواعي صفاء ونقاء الأدب العربي. وكذلك تفضيل مدرسة الديوان للحداثة والتجديد (الإبداع = التعبير عن الذات وما تشعر به).
الجوانب التلفظية والتداولية:
إنما يميز لغة الكاتب والبساطة والوضوح في تناول قضية صفاء ونقاء الأدب العربي عبر أسلوب ذي طابع تعليمي قائم على الحوار وتقديم الحجج قصد الاقناع وإبلاغ المتلقين، ويظهر ذلك من خلال استعمال الناقد لجمل اسمية طويلة قادرة على حمل كثرة المعاني والدلالات ( لعل من أعمق ظواهر النقدي العربي القديم...) ( كان هذا النقاء تعبيرا...) وأفعال دالة على الحالة الفكرية للمتكلم (أكاد، أعتقد، يجب...) يصف من خلالها أراء المتضاربة حول الفصل الأولي، وللتأكيد على قضايا الفصل اعتمد الكاتب على الضمائر المتنوعة (المتكلم، الغائب والجمع) وأدوات الربط المنطقية ضمير الجمع للترسيخ بين فقرات النص وأفكارها حتى يسهل على المتلقي فهمها وتبيان مضامينها (العطف "الواو"، أسماء الإشارة، أسماء الموصول، مؤكدات...).
تحليل الفصل الثاني: حلم المستقبل:
مضامين الفصل:
× الأدب العربي القديم (الشعر القديم) كان له تأثير بالغ على الأدب العربي برمته بعد هذا العصر الجاهلي:
- الأدب العربي مدين للشعر الجاهلي منبعه الأصلي.
- ذوبان الأدب العربي بصفة عامة في بؤرة الشعر الجاهلي وتأثره أيما يكون التأثير.
× الحفاظ على خصوصية الأدب العربي القديم الاجتماعية والثقافية.
× النظر الى الشعر الجاهلي نظرة منصفة بعيدة عن الأحكام المسبقة وفي المقابل يجب دراسة النصوص الشعرية الجاهلية بدون خلفيات محددة سلفا.
× الابتعاد عن نعت الشعر الجاهلي للبساطة والسذاجة وإنما الشعر الجاهلي يعبر عن رؤية عميقة للوجود والحياة والانسان.
الجانب التطبيقي:
المقارنة بين قصيدتين:
- لبيد بين ربيعة العمري.
- قصيدة زهير بن أبي سلمى.
المقارنة في موضوع الأطلال:
بقايا الديار، الرسم، المنازل، الأثافي.
ورأى الناقد أن هذا التقليد هو استجابة لا شعورية لتقاليد وأنماط سلوك المجتمع الجاهلي.
تحليل الفصل الثالث: البطل:
مضامين الفصل:
في هذا الفصل حاول الناقد أن يدافع عن خصوصية الشعر الجاهلي معتبرا قضية تفكيك النص الشعري القديم وغياب الوحدة الموضوعية من المسلمات. ويفند هذه التهم ويرى أن رغم تعدد موضوعات الشعر الجاهلي إلا أنه قابل للترابط شريطة أن يبذل القارئ مجهودات للوصول الى الوحدة العضوية. كما أنه ركز في الفصل على فكرة وصف الفرس الذي يعد رمزا مشتركا بين الشعراء وأعطى أمثلة ونماذج شعرية للطفيل الغنوي (طفيل الخيل) وسلامة بن جندل السعدي وامرئ القيس حيث أضفو صفات أسطورية خارقة على أفراسهم كصفات القوة والصلابة والجمال والخير. إذ ركزوا على اللاشعور الجمعي للإنسان الجاهلي وذلك من خلال التدقيق في الحمولات الدلالية والرمزية التي يزخر بها الموصوف. فالفرس في نظرهم رمز للقوة والسرعة وإنزال للمطر والسيل (فرس بصور ومظاهر معينة فهو العباب وهو ضرام مشتعل وثعلب ويعبوب ورجل مفزع وسيل يهوي بالصخرة من أعلى الجبال) هذه النعوت كلها كاد الإنسان الجاهلي يصف بها خيله وفرسه وكأنه يتفق بطريقته لاشعورية في وصف الأفراس والخيول.
نستشف إذا من خلال هذا الفصل أن الناقد قد اعتمد على منهج أنثروبولوجي يعتمد على تتبع الآثار الأدبية للحكم على ظواهر اجتماعية وهذا واضح من خلال العودة الى الضمير الجمعي لاستخلاص مواصفات الفرس والخيل بالنسبة للإنسان الجاهلي.
تحليل الفصل الرابع: الناقة الأم:
جرد الموضوعات:
الفرس والناقة من أكثر الحيوانات التي حظيت باهتمام الشعراء الجاهليين وهما مظهران النمو العقلي والروحي للشعر الجاهلي. وتعد الناقة بعد الفرس من الحيوانات التي لها الحضور الأوفر في قصائد الشعراء الجاهليين. وإذا كان دارسوا الشعر الجاهلي قد اهتموا بتحليل صورة الناقة إلا أنهم اعتبروها تفصيلا من تفصيلات موضوعات هذا الشعر التي تعتبر أن أحوال الشاعر المفرد عاطفيا. لكن تحليل المؤلف لهذه الصورة وتسلحه بمنهج أسطوري تأويلي مكنه من اعتبار الناقة حاملة لأبعاد رمزية ولاشعورية وفي العقل الباطن للإنسان الجاهلي. فالناقة لم تكن مجرد حيوان بل حيوانا مقدسا يعبر في رمزيته عن حال الصراع الذي عاشه الانسان العربي قبل الإسلام وهي كذلك إجابة عما يؤرخ المجتمع من أسئلة يطرحها الواقع الاجتماعي. ولنا في أشعار ثعلبة بن صعير الخزاعي وكذلك امرؤ القيس. إذ لم تعد الناقة في نظر هؤلاء مجرد تفصيل في قرا بنية الأغراض الشعرية بل معادلات موضوعية لما يعيشه الانسان الجاهلي من صراع وتمزق مأساوي. ولعل الصفات الماثلة أمامنا شاهدة على رمزية مشاكل الانسان الجاهلي قبل ظهور الإسلام.
صفات الناقة:
هلواعة (سريعة)، الأم (الحنان والأمومة)، ضامرة، السيل، عظيمة الضلوع، وجناء، قصر بناه رجل بالجص، تقاوم التغيرات، الهاجرة، النعامة والظليم، الخير... .
تحليل الفصل الخامس: الأرض الظامئة:
جرد الموضوعات:
بعد قداسة الناقة لدى العرب الجاهليون انتقل مصطفى ناصف الى إعطاء صورة المطر عند مجموعة من الشعراء ومن بينهم امرئ القيس الذي أشار الى أن فكرة المطر عذاب ودمار وتسبب في اقتلاع أصول النبات والأشجار وهدم البيوت ومن جهة أخرى يعد المطر في نظره خير وبركة. بعد الخوف من نتائج البرق والرعود وقد تنبه البرق في ضوئه بمصابيح الرهان وهم يصبون السليط على الفتيلة إذ انا بصلوات ودعوات لإنزال المطر. أما البرق وعند بن المعتز فهو عبارة عن مصحف يفتح ويغلق فيه الحركات وتغيرات توحي بولادة عسيرة لعلها تزول المطر بينما ربط عنترة بن شداد بين المرأة والمطر ويتجلى ذلك من خلال ريقها الطيب الرائحة، كرائحة الزهور التي تسقى بالمطر والوردة الأنوف التي لم تطأها الأقدام وأصابها عبق كريم منحها فرص النمو، غير أن عمرو بن الأهتم ربط صورة المطر بعدة أشياء جسدها من خلال عدة علاقات كعلاقة الثياب بالسحاب بحيث تكون الأرض عارية والسحاب يكون هو الثوب الذي يغطيها. ثم كعلاقة الكلب بالمطر يكون الكلب صورة للأرض المحتاجة للمطر فنباحه دعوة لاستجابة نزول المطر، وإذا ألفينا القول الى الشاعر سبيع من الخطيم التيمي وجدناه ربط بين الصورة الناقة وصورة المطر ذلك أن الناقة تحرك الحصى عن موضعه وكذلك المطر يحركه. والناقة تضطرب وتسرع مثلها مثل المطر، فالناقة تزينها الوصال والمطر يزين الأرض بالزهر المتفتح. وخلاصة القول يتضح أن مصطفى ناصف قد فسر هذه الموضوعات كلها من خلال أنماط السلوك وعادات المجتمع الجاهلي. فالناقة والفرس والأرض الظامئة أقنعة ورموز ومعادلات موضوعية جسدت البناء الفوقي والنماذج العليا للقيم ومُثل المجتمع الجاهلي.
تحليل الفصل السادس: نحو مبدأ عظيم:
جرد الموضوعات:
في هذا الفصل ينتقد الناقد من قصيدة الشاعر الحاذرة (زهير بني سلمى) في عينته التي مطلعها: بَكَرَتْ سُمَيَّةُ بُكْرَةً فَتَمَتَّعِ وغَدَتْ غُدُوَّ مُفَارِقٍ لم يَرْبَعِ. إن هذه القصيدة معدودة من مختار الشعر بدأها الشاعر الحاذرة بالغزل والنسيب، ثم انتقل بعد ذلك الى الفخر بالوفاء والنجد ومعاناة الحروب، وحفظ الدمار والخمرة ومجلسها تحشبه الأصفر ويليها بوصف الناقة. وهذه القصيدة ما زالت تتيح إشكاليات وصعوبات في القراءة. وحين نقرأ القصيدة أكثر ما نواجهه يقول مصطفى ناصف موقفا صعبا وإنني أصدقك الحديثة حين أقول إن شروح القدماء صعبة وما يشبهها غير كافية وقد تكون لدى الحاذرة تجارب خاصة وقد يكون هناك ما نسميه باسم الصدق. ولكن هذه التجارب في صورتها الساذجة التي نقدمها عن القصائد خليقة بالشكل، والناس يعنون بالشعر من أجل الأشياء الأولى وآثر شواغر الفردية والتجارب التي يولع بها المرحوم الجائع، ويبدو من خلال القصيدة أن الظاهرة الشعرية ليست فردية بل ظاهرة جماعية إذ تحضر سمية في النص رمزا من رموز الجماعية فالمرأة سمية ترتبط بصورة الجمال والجلال والغزال والسحاب الممطر، ومن ثم تتحول سمية الى رمز من رموز المديح لتعلقها على الخصوص لفكرة الغزل، ويعني هذا أن القصائد الحاذرة تحمل معاني أنطروبولوجية وأسطورية رمزية الى عميقة ومعاني سطحية ظاهرة للناس. أي إن للقصيدة الجاهليين مستويين: مستوى ظاهري يقدم لعامة الناس أو مستوى باطني ينبغي تأويله رمزيا وأسطوريا من أجل استخلاص التوابع المتعالية المشتركة بين جميع الناس في أشكال شعائر وفروض طقوسية.
تحليل الفصل السابع: مشكلة المصير:
جرد الموضوعات:
يهتم المؤلف في هذا الفصل بإبراز الصراع الخفيف بين فكرة الوشم وفكرة الطلل مركزا على دور الحلم متعدد الأوجه حسب تصنيف فرويد. ومن أجل إبراز هذه الفكرة وتفسيرها اختار المؤلف أن يحلل معلقة طرفة بن العبد التي مطلعها:
لِخَولَةَ أَطلالٌ بِبُرقَةِ ثَهمَدِ ××× تَلوحُ كَباقي الوَشمِ في ظاهِرِ اليَدِ
وُقوفاً بِها صَحبي عَلَيَّ مَطيَّهُم ××× َقولونَ لا تَهلِك أَسىً وَتَجَلَّدِ
معلقة طرفة مجهود شعري وخيالي، وتعويذة في وجه الطلل (الفناء). والوشم وركوب الناقة هما محاولة الانسان تحدي الطلل الذي يرمز للأرواح الشريرة. وقف الشعراء الجاهليون عند الطلل وبكوا واستبكوا، مما جعل الشراح يعدون ذلك جزءا فنيا، وفترة استعداد للخوض في الموضوع الأساس، غير أن المؤلِف يبصر خلف ذلك المعالم بعيدة عن المشاعر وجودية دفينة وطرفا في معلقته هذه سلكا أسلوبين اثنين من أجل مواجهة شبح الطلل وما يشكله من تهديد قوي لحياة المجتمع.
- الأسلوب الأول الوشم باعتباره تعويذة تبطل الطلل.
- الأسلوب الثاني وصف الناقة فإذا كان الوشم محاولة من الانسان إبطال صورة الخراب، وانتصار على التلاشي بالذكرى فإن الناقة في سعيها الحثيث وحركتها وأنماط يسرها مظهر بناء والتشييد. إن معلقة طرفة بين العبد التفكير في مصير الانسان ومحاولة لتحدي ما يقف في طريقه ومن هنا فهي تعكس تفكير طرفة الشاعر الشاب الذي يريد أن يكشف فكرة المصير التي تطرق وجدان الشعوب هذه هي الشخصية القوية التي تحس فالمصير لا يمثل إشكالا بالنسبة لضعيف الشخصية ولا يصل الى جعل هذه الأفكار قضية بالنسبة له.
تحليل الفصل الثامن: الحاجة الى الخوف:
جرد الموضوعات:
يكشف النابغة في هذه المعلقة من الفصل الثامن التي مطلعها: يا دارَ مَيَّةَ بِالعَلياءِ فَالسَنَدِ ××× أَقوَت وَطالَ عَلَيها سالِفُ الأَبَدِ. وَقَفتُ فيها أُصَيلاناً أُسائِلُها ××× عَيَّت جَواباً وَما بِالرَبعِ مِن أَحَدِ، عن وجه آخر من وجوه علاقة الشاعر بالمجتمع إذ عبر عن رغبته في تحديه والثورة عن قيمه وقواعده. لذلك كشف عن شعورين متناقضين: شعور الرغبة في الانفراد والوحشة، وشعور بما يتهدد مجتمعه من مخاطر من جهة ثانية، يفصح النابغة عن قدرة خارقة في حدس الشر الذي يهدد المجتمع العربي بالذات. فإذا كان الشاعر ميالا الى الوحشة والانفراد فالأنا المجتمع قد تحول الى عقبة تحول بين الشاعر ووحشته الضرورية. وحشة تتيح له ما يخبؤون الغيب لمجتمعه. فالانفراد لهذا المعنى هو أسمى حالات وعي النابغة بما يصف الوجود العربي من شرور ومخاطر وبعبارة أخرى إن النابغة بميله الشديد الى التلذذ بوحشته إنما يفصح عن ميل لإضفاء المعنى على وجود موحش ومجتمع خرب لهذا ينتابه إحساس بالخوف مما يتهدده مجتمعه من مهالك ومخاطر.
الخلفية النقدية:
إن الخلفية النقدية التي يستعين بها المؤلف في هذه الفصول أسطورية ميثولوجية. الواقع أن حديث الناقد عن صورة الناقة والفرس في هذه النصوص السابقة هو حديث عقلاني تجريبي وحديث شعري عما يعرف بالإرادة والعزيمة. فالناقة رمز الإرادة وهذا ما يعبر عنه ثعلبة بن صعير المازني في شعره، فالحيوان ليس مجرد صورة مباشرة تقريرية ووصفية بل رمز متشبع الدلالات ومتنوع الإيحاءات. فالإرادة قوة نفسية. فحياة الانسان ليست حياة فرد مستقل بل حياة فرد يحيى وسط مجتمع تسهم عوامل مختلفة فيه والإرادة ما هي إلا دافعا الى جانب دوافع أخرى تتآزر فيما بينها لتحقيق هدف معين. ومن هنا كانت الناقة أو الفرس أو المطر صورة فنية تعبر عن اللحظة الخلاص من زمن الثبات وسارت رمزا لما هو مقدس وما هو حاضر/ غائب. فالخلفية النقدية التي استعملها الناقد تتميز فيما يأتي:
- اعتماد المنهج الأسطوري كإطار نظري وتطبيقي.
- استسقاء دور الأسطورة والطقوس في الحياة اليومية الجاهلية ودور الطبيعة.
- تثمين الصورة البدائية للناقة ومعظم حيوانات العرب الجاهلي.
- الاستفادة من نظرة "كارل يونغ" للإنسان وهي نظرة كلية واسعة تحتفي بالصور البدئية: اللاوعي، اليل، الماء، البقرة، السيل، الطلل، الرهبان... .
القراءة التركيبية:
اهتم مصطفى ناصف في مؤلفه قراءة ثانية لشعرنا القديم بالكشف عن العديد من الجوانب الأسطورية والدينية في الشعر الجاهلي وكان دفاعه الى ذلك إقناعه بأن القراءات السابقة للشعر الجاهلي وخاصة القراءات ذات التوجه التاريخي والنفسي.
- كرست نمطية الأحكام حتى أصبحت أحكاما جاهزة.
- تفرض على هذا الشعر فأساءت إليه أكثر مما خدمته.
وحاول الناقد أن يستفيد من نظرية يونغ في الأنماط البدائية والنماذج العليا في مقاربته للشعر الجاهلي. فهذا الشعر يحمل في لغته وصوره أشكالا نمطية محددة قبليا. إن الشاعر الجاهلي تشغله تساؤلات كبرى وهي يقينيات حول مصير ومنتهى علاقة الانسان بالكون. إذ لا يخاطب الشاعر نفسه ومجتمعه إلا من خلال استنطاق الماضي.
والماضي في نظره هو تلك الرواسب الأسطورية الدينية التي توحد اللاشعور الجمعي للمجتمع الجاهلي. وقد عبر عنها في لغة رامزة عبر عدة موضوعات تكررت بكثرة في الشعر الجاهلي منها: الطلل/ الناقة/ المرأة/ المطر/ الفرس... وكلها موضوعات تحمل من الأبعاد الأسطورية ما عبرت عنها اللغة انطلاقا من جوهر اللغة المنسية. ومن ثم كان جوهر الصورة في الشعر الجاهلي هو اللغة المنسية لغة اللاشعور الجمعي.
أهمية الكتاب:
اقترن اهتمام مصطفى ناصف بعدة عوامل ومداخل تداخلت وتوازنت فيما بينها من خلال ثلاثة جوانب:
- الجانب النظري:
ويتمثل في اعتماد المنهج الأسطوري كمنهج تفسيري في فهم نصوص الشعر الجاهلي، مما جنب الكاتب الوقوع في الانطباعية وإصدار أحكام القيمة التدوقية وفي المقابل تبني ممارسة متكاملة ومنظمة منطقيا وعلميا إذ كشف للقارئ عن:
- الاهتمام بالنماذج العليا والنماذج البدائية للشعر الجاهلي (الكشف عن المنظومة الأسطورية للنص الأدبي).
- عرض كميات هائلة من الموروثات الجاهلية المتصلة بالعادات والتقاليد العربية قبل الإسلام.
- ضرورة عقد علاقة وثيقة بين الشعر والصورة الفنية وقضية الرموز الأسطورية الماثلة في الذاكرة الجماعية.
- الشعر الجاهلي ينهل من الذاكرة الجماعية للمجتمع العربي قبل ظهور الإسلام.
- إعادة تأويل صور الطلل أو الناقة أو الفرس أو المرأة تأويلا من معاني عميقة تربط الحاضر بالماضي وتجعل الشاعر العربي ترجمان لما اختزنه الذاكرة الجماعية من معاني ورموز ودلالات.
- الجانب المنهجي:
الكتاب يقدم مجموعة من الإجراءات والخطوات المتماسكة قصد معالجة النص الشعري بكيفية متناسقة ومنظمة:
- التمهيد للنص الشعري المدروس بفرش نظري يحدث قيمته وأهميته.
- نثر النص الشعري نثرا متساوقا مع ما يلي من شرح النص أو تأويله أو ربط الصلة بين النص الشعري ومؤلفه والمجتمع الذي نشأ فيه (النص تعبير عن أحوال المجتمع الجاهلي لا مجرد تعبير عن عاطفية فردية).
- الكشف عن الصور الأولية الحاملة لأبعاد تخيلية ورمزية.
- التعبير عن الوعي الباطني للمجتمع العربي الجاهلي.
الجانب التحليلي (قراءة تركيبية):
المؤلف عبارة عن مختبر نقدي يتبع من خلاله كيف تنشأ الممارسة النقدية وكيف نكفي النص الشعري ونحاوره من كشف عن معانيه الدفينة. رغم هذه الجهود المبذولة إلا أن هذا المؤلف لا يخلو من مظاهر الخلل والنقص تتعلق بصعوبة التمييز بين عمل الناقد الأدبي وعمل العالم الأنثروبولوجي ( ربط الشعر بالدين ربطا قويا فيه مبالغة كثيرة إذ كيف نفترض أن الدين هو المصدر الوحيد لنظم الشعر عند عرب الجاهلية) أما الانتقاد الثاني فيتجسد في تحويل الشعر الى وثيقة أسطورية تفرغ من قيمة الجمالية والإنسانية وبل حتى الفردية.
المنهج الأسطوري الأنثروبولوجي:
منهج يدرس الأساطير والرموز الخيالية التي تتكون بديلا وتعويضا لما هو واقعي ومادي. إنه دراسة اللاشعور الجمعي والعقل الباطن وكيف ترسبت الكثير من العادات والديانات والشعائر والأساطير والثقافات والطبيعة والتابلوهات والسحر والشعوذة والفنون والآداب واستفادة هذه النظريات من علوم عدة كعلم النفس وعلم الاجتماع واللسانيات والتاريخ والفلسفة وقد اعتمد هذا المنهج الأسطوري على خطوتين إجرائيتين: الفهم والتفسير.
ويقصد بالأول قراءة النص الإبداعي وفهم دلالاته اللغوية ومضامينه المعنوية وتفكيك صوره البلاغية ورموزه الخيالية. أما عملية التفسير/ التأويل ضمن التصور الأسطوري وتقتضي البحث عن نماذج عليا ومفاهيم العقل الباطن ورواسب اللاشعور الجمعي قصد ربطها بنماذج بدائية تذكر الانسان المعاصر بالإنسان البدائي وتصوراته الحضرية وما بينهما من طقوس مشتركة موروثة.
من فضلكم بسرعة اريد مصطلاحات نقدية وأساليب حجاجية و لغة الناقد في الفصل ثامن حاجة الى خوف في كتاب قراءة تانية لشعرنا القديم
ردحذف