مجزوءة الانسان:
مفهوم الوعي واللاوعي:
مدخل إشكالي:
يتميز الانسان بقدرته على الوعي بذاته فهو عندما يتكلم أو يفكر أو يشعر أو يتحمل يلجأ دائما الى وعيه مما يجعل علاقة الانسان بالوعي علاقة حميمة متوترة ومتفاوتة الاكتمال والوضوح لأن الانسان هو الكائن الوحيد الذي يوجد ويعب وجوده، فهو يوجد في مواجهة ذاته من جهة والعالم المحيط به من جهة أخرى، ذلك العالم يتحول بواسطة الوعي الى موضوع للفهم والمعرفة، غير أن تمجيد الوعي وإعطائه سلطة الحضور على مستوى الذات الإنسانية قد لقي معارضة كبيرة من قِبَل فلاسفة اللاوعي الذين اعتبروا أفعال الوعي وتمثلاته ناتجين عن التكوين التاريخي للوعي لذا فالمفاهيم التي أنتجها الوعي لا تشكل تحديدا دائما للذات بقدر ما هي تراكمات لتأويلات تاريخية وميتافيزيقية لا شعورية تعبر عن نفسها سواء في حالة النوم أو اليقظة. وهو ما يدفعنا الى إعادة طرح سؤال ما الوعي؟ وما اللاوعي؟ وما العلاقة بينهما؟ وأيهما يحكم حياتنا النفسية؟ وما علاقة الوعي بإيديولوجيا؟
المحور الأول: الإدراك الحسي والشعور:
تأطير إشكالي:
يمكن اختزال مشكلة الوعي في بعدين اثنين: يتعلق الأول بدور الادراكات الحسية في تشكل الوعي من خلال مثيرات العالم الخارجي، والبعد الثاني باعتبار الوعي شعوراً ذاتياً عقلياً خالصاً، أي قدرة الانسان على الإحساس بذاته بدون حاجة الى إدراكاته الحسية. ومن هنا يمكن أن نتساءل: ما الوعي؟ وهل يمكن تحديده تحديدا دقيقا؟ وهل الوعي إدراك حسي وشعور ذاتي خالص؟ وما دور الإدراكات الحسية والعقل في تشكل الوعي؟
مطلب التحليل:
أطروحة النص:
يرى ديكارت أن الوعي بالذات حقيقة بديهية تدرك عن طريق الحدس العقلي الذي لا يرقى إليه الشك لذلك يقول:"أنا أشك إذن أنا أفكر إذن أنا موجود"، "ما دمت أفكر فأنا موجود"، "متى انقطعت عن التفكير انقطعت عن الوجود".
البنية المفاهيمية:
- التفكير "العقل": مَلَكَة من خلالها يدرك الانسان ذاته والعالم الخارجي ويعتبره ديكارت جوهر الانسان.
- الشك: هو عدم اليقين وهو نقد جدري للمعارف والأفكار وينقسم الى:
- شك منهجي: هو الشك المؤدي الى الحقيقة.
- شك مذهبي: هو الشك من أجل الشك.
- البداهة: كل شيء واضح بذاته ولا يحتاج الى برهان على صحته.
- الأنا: الذات الواعية المفكرة العاقلة.
البنية الحجاجية:
اعتمد ديكارت للدفاع عن موقفه بنية حجاجية تمثلت في أسلوب الاستفهام حيث تساءل ديكارت في بداية النص عن وجوده وعن أناه وصحة وجودها "أي شيء أنا الأنا إذن؟".
مطلب المناقشة:
يرى ديفيد هيوم أن الوعي بالذات إدراك حسي مباشر للمثيرات العالم الخارجي كالإحساسات تنقل الى وعينا كل ما يحدث في الخارج. وإذا فقدت إدراكات بالعالم الخارجي وفقدت وجودي.
يرى إيمانويل كانط أن العقل لوحده غير قادر على إدراك الحقيقة كما أن التجربة لوحدها عاجزة عن الوصول الى الحقيقة لأن "المقولات العقلية تبقى جوفاء لوحدها كما أن الإدراكات الحسية عمياء".
تركيب:
من خلال التحليل والمناقشة يتبين أن تحديد الوعي ليس أمرا سهلا حيث أكد التصور العقلاني ( نص ديكارت) على أن الوعي بالذات حقيقة عقلية بينما أكدت التصورات التجريبية ( نص ديفيد هيوم) أن الوعي إدراك حسي مباشر فبدون الحواس لا يمكن الوعي بأي شيء. لكن يمكن القول أن هذين التصورين يدفعاننا الى استحضار الموقف النقدي ( كانط) الذي يرى أن المقولات العقلية وحدها ليست كافية إلا بوجود إدراكاتنا الحسية.
تعليقات
إرسال تعليق
اذا كان لديك أي سؤال او استفسار، اكتب تعليقك هنا